ياله من مسكين!
قنع بالظاهر .. وأهدر الأصل .. فحبط ما صنع .. وبطل ما عمل .. بل أوقع نفسه في دائرة العذاب.
اقصد : لا تخدع نفسك ولا ترضى بالوهم , ولا ترضي غرورك بالباطل.
عش الحقيقة , وافهم الواقع .
لذا .. فإنني أريدك أن تنظر لرمضان نظرة جديدة وواقعيه تناسب هذا الزمان ,
انظر لرمضان بنظرة إيمانية .. فتراه كالبحر ..
رمضان يشبه البحر
البحر
عظيم .. امتن الله علينا بتسخيره : ((اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ
الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ
فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12))) الجاثية
تجري على سطحه الفلك بالمنافع , وتسكن في قعره كنوز اللؤلؤ والمرجان ,
وبين هذا وذاك تسبح خيرات اللحم الطري.
لكن هذه الخيرات والكنوز ليست لكل من يدخل البحر!
بل أستطيع أن أقول : لا يقصدها كل من دخل البحر أو رأى البحر.
تفكر قليلاً قليلاً , أغمض عينيك , وحاول أن تقوم بعملية حسابية.
كل شيئ في البحر كثير كثير .. الخير كثير .. والخطر أيضاً كثير !
يا الله !! كم حمل البحر أقواماً لمنافعهم , وأعطاهم ومنحهم .. وكم ابتلع البحر من غرقى وأهلكهم ..
وهكذا رمضان .. كم فيه من ناجٍ .. وكم فيه من خاسر !!
سماء البحر : نجوم
وسماء رمضان : ملائكة تنزلت لسماع القرآن.
قعر البحر : لحم طري , لؤلؤ ومرجان
وليالي رمضان : عتق وغفران.
اللحم الطري في البحر , يشبهه في رمضان العبادات السهلة , الجميلة ,
وفي نفس الوقت : الموصلة لرضا الله عز وجل.
أميز شيئ في رمضان دون غيره من باقي الشهور جماعية الطاعة ..
· الأمة كلها صائمة .
· الأمة كلها تقرأ القرأن .. المصاحف في كل مكان.
· الأمة كلها تقوم الليل .. كأن الأمة كلها في المساجد.
· الأمة كلها تفطر في وقت واحد .. ومستيقظة في وقت السحر تأكل وتدعو.
جماعية الطاعة ..
هذا هو رمضان .. وبركات رمضان .. وألطاف رمضان .. ونفحات رمضان ..
لحم طري..اللؤلؤ والياقوت والمرجان في البحر , يشبهها في رمضان جواهر الغفران :
فللصائم دعوة مستجابة , ولله كل ليلة عتقاء من النار ,
وتفطيرك للصائم يهبك مثل أجره ..
سبحان الملك !!
وخذ أيضاً إشارة , كم وصل البحر محباً لحبيبه ،
وكم وصل المحبون برمضان إلى التقوى والرضوان !!
تأمل
النفحات التي ترسل وتفيض مع أول لحظة من لحظات رمضان : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة
الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها
باب وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من
النار وذلك كل ليلة))
سبحان الله .. من أول موجة!
ليست المنة فقط في إدراك فتح أبواب الجنة , وتصفيد الشياطين , لأن رمضان كالبحر ,
ليس كل من رآه أو نزل فيه يفوز بما يحويه.
تأمل
: قال الله عز وجل : (( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا
مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا
وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ
وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14))) النحل
اقرأ الآية جيداً .. النعمة ليست هي البحر .. النعمة تسخير البحر.
فأسأل الله أن يسخر لنا رمضان كما سخر لنا البحر بنعمته ..
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً , غفر
له ما تقدم من ذنبه , ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً , غفر له ما
تقدم من ذنبه))
وقال صلى الله عليه وسلم : ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))
إذاً هو الإيمان والاحتساب شرطان لحصول الأجر والفوز ببركات رمضان.
أما إدراك رمضان بلا توفيق ,
فليس فقط خسارة حسنات , وإنما شقاء وعذاب !
إن لم يغفر لك في رمضان , فأكبر مصيبة نزلت عليك أنك أدركت رمضان !!
لذا فنحن هنا سوياً لنعلم كيفية الإبحار إلى الفردوس الأعلى.